lor=red]]***
أردت لها جائزة المؤتمر
أحمد عبد المعطي حجازي
(مصر)
نازك الملائكة عَلم من أعلام الشعر في كل العصور ودورها في الكتابة الشعرية في ديوانها عمل متميز ولغة شعرية خاصة بها، وثقافة شعرية كذلك متميزة تجتمع فيها العناصر العربية من جهة والإنكليزية من جهة أخرى التي شكلت ثقافتها، بعد ذلك يأتي دورها في التجديد دور هام بل هو من أهم الأدوار، وإذا ذكرت خمسة أسماء من رواد الشعر العربي المعاصر فنازك الملائكة في المقدمة.
نازك لم تكن كذلك مجرد شاعرة مبدعة بل شاعرة ناقدة ومفكرة ومقدماتها لدواوينها وكتاباتها عن قضايا الشعر من أهم مصادر النظرية الشعرية الجديدة.
ونازك أيضا كانت كذلك متصلة أشد الاتصال ببقية شعراء الجيل والأجيال السابقة لها والأجيال اللاحقة لها، وهي تدين بالفضل لهؤلاء الشعراء السابقين لها، ولها عنهم كلام مهم ليس من الوجهة الفنية فقط بل ومن الوجهة الأخلاقية. لأن غيرها يظنون أنهم يوجدون بغياب غيرهم.
كنت أتمنى في مؤتمر الشعر العربي الذي عقدناه أخيرا أن تذهب جائزة المؤتمر لنازك الملائكة لأن لها السبق في حركة التجديد، وكذلك هي أستاذة وأيضا لأنها اختارت القاهرة للإقامة والمعيشة بعد أن وصلت إلى سن عالية، لكن آخرين من ذوي السلطان والنفوذ أصروا أن تذهب الجائزة إلى غيرها.
***
انتهاء في تاريخ الشعرية العربية
محمد عبد المطلب
(مصر)
إن موت نازك الملائكة يمثل انتهاء في تاريخ الشعرية العربية، وهو ما يجب أن نهتم به، لأنها أسست لشعرية الحداثة حتى يومنا هذا، حتى أنها تنبأت بما يسمى بقصيدة النثر وناقشتها، إذن هي كانت على وعي بالقديم والحاضر والآتي، وأظن أن الشعرية العربية والثقافة العربية سوف تخلد هذه الرائدة بوصفها مرحلة كاملة في تاريخ الشعر العربي، وأنا أدعو المؤسسات الثقافية في العالم العربي أن تقيم المؤتمرات والندوات التي تكشف عن الدور الريادي لهذه السيدة وعن الأثر الذي تركته في مسيرة الشعر العربي كله وفي الوقت ذاته أدعو إلى الاحتفاء بالرائدين الباقيين على قيد الحياة وهما أدونيس وأحمد عبد المعطي حجازي حتى نتخلص من ظاهرة البكاء على الموتى.
***
الخوف من المستقبل
محمد سليمان
(مصر)
إن نازك الملائكة شاعرة رائدة في حركة الشعر العربي الحديث وأول من شق الطريق لحركة التجديد في القصيدة العربية بقصيدتها الكوليرا التي نشرتها في منتصف الأربعينيات، ويضيف سليمان: لكني أظنها تراجعت في منتصف الستينيات لأنها رأت قصيدة التفعيلة وهي تتطور وتحارب في الوقت ذاته القصيدة العمودية وتدفعها للتواري وتوقعت نازك أن تتوارى الأشكال الشعرية والثراء الشعري وأن يحاول الشعراء الجدد محاربة كل التيارات الشعرية الأخرى، لذلك هاجمت في كتاباتها التطرف في التجديد وإهمال الكتابة بالشكل العمودي وتوقعت نوعاً من الدكتاتورية الإبداعية التي نعاني منها الآن، فلدينا جماعات شعرية متعددة كل شكل شعري يحاول إعلان موت الأشكال الشعرية الأخرى، شعراء التفعيلة يرفضون قصيدة النثر ويحاربونها، والعموديون يرفضون الجميع، بينما يتصور شعراء قصيدة النثر أن ترسيخ قصيدتهم وشكلهم الشعري لن يتم إلا بموت الأشكال الأخرى.
أصبحنا إذن ضد الثراء والتنوع، وأظن أن نازك الملائكة كانت في الستينيات ترى المستقبل وتخشاه لكنني لم أكن في صفها عندما هاجمت حركة التجديد، لأنني أعتقد أن كل شاعر حقيقي هو تجريبي بالدرجة الأولي وعليه دائما أن يعيد اختراع الشكل وأن يضيف وأن يختلف عن الآخرين، لا حدود للتجريب ولا قفص يحبس الشعر فيه.
***
كبيرة وسط كبار
ميسون صقر
(الامارات)
أبدت حزنها الشديد على الرائدة الراحلة وأشارت الى أنها نازك الملائكة اختارت أن تختفي عن الحياة لفترة طويلة معتزلة الحياة الثقافية والشعرية. وأضافت: لكن يظل الجانب الشعري والنقدي فيها مستمراً بحكم ارتكازه على أعمدة قوية من الرؤى لا تتزحزح، فقد حققت ريادة في القصيدة الحديثة.
ترى ميسون صقر أن نازك غيرت فكرة الشاعرة المرأة بإنجازها وحضورها ورؤاها، ومن رأيي أن الخنساء ونازك الملائكة ومي زيادة يمثلن ثلاثة محاور مهمة تعتمد عليها المرأة الشاعرة في الدخول إلى عالم الشعر بقوة وثبات، حيث فتحن الطريق ومهدنَه لها لتأتي بإبداعها بجرأة وقوة.
لقد تحققت نازك رائدة وسط شعراء كبار ولا تستطيع أن تفرق قوة لغتها وشخصيتها ورؤيتها عن جيلها من الشعراء، لا أنثوية ولا ذكورية، إنها التميز والريادة يضاف إليها القوة النقدية والفكرية، لقد كتبت نازك قصيدتها التي تعد من أوائل قصائدها المهمة الكوليرا في مصر وها هي تموت أيضا في البلد الذي أحبته وكتبت عنه.
***
الموت والنقد
أحمد الشهاوي
(مصر)
أرجو أن لا تأخذنا عاطفة الموت بحيث لا ننظر إلى تاريخ الشاعرة وسعيها نحو قصيدة جديدة نظرة نقدية وتاريخية ونتفحص ما كتبه نقاد وأساتذة الأدب وشعراء عاصروا الشاعرة حول (ريادتها) للشعر الحر.
فمثلاً ما ذكره عبد الله الغذامي في كتابه (الصوت القديم والصوت الجديد دراسات في الجذور العربية لموسيقي الشعر الحديث) حيث خصص فصلاً عنوانه (نازك ومستقبل الشعر الحر) هذا الفصل الذي يعرض لتاريخ رواد قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر يفند المزاعم التي تخص نازك كريادة مزعومة، وأظن أن هناك عشرات الدراسات ومئات المقالات التي كتبت خلال الثلاثين عاماً عن هذه الإشكالية التي ينبغي أن يعاد طرحها لأن أسماء مهمة قد ظلمت تحت سنابك نازك ومؤيديها.
المسألة الأخرى التي أود أن أشير إليها أن نازك التي حملت مصر والقاهرة خاصة في ثقافتها وتكوينها، هذا جعلها وزوجها د. محبوب المدفون في ثرى القاهرة عام 2001 تحتفل مصر وتحتفي بالشاعرة الكبيرة. فللمرة الأولى في تاريخها الشعري والأكاديمي يصدر لنازك كل كلمة كتبتها في مجلدات أصدرها المجلس الأعلي للثقافة وبيعت بسعر زهيد، كما أن هناك أكثر من عمل شعري وأكاديمي صدر لها في طبعات عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهذا الموقف ليس غريباً عن مصر التي كتبت عنها نازك عام 1967 قصيدتها الكوليرا حيث حصدت آلافاً من أرواح المصريين، وهي القصيدة التي يزعم كثيرون أنها أول قصيدة في الشعر الحر على الرغم من أن أباها قال لابنته وقتئذ أن هذا يا نازك ليس شعراً.
ولعل المناسبة تتيح للنقاد والشعراء أن يبحثوا في نكوص وارتداد نازك إلى السلفية والتقليدية وعزوفها عن الكتابة الجديدة منذ فترة طويلة جدا كأن (الطفرة) الشعرية التي بدأتها لم تكن ذات أساس سليم وغير نابعة من روح متأصلة في المغامرة والتجديد.
***
نازك الملائكة شاعرة العرب الأولى ومعلمة الشعراء
ماذا يبقى منها؟
اسكندر حبش
(لبنان)
يعيدنا خبر رحيل الشاعرة العراقية نازك الملائكة، إلى بدايات حركة التحديث في الشعر العربي المعاصر، إذ لطالما اعتبرت الشاعرة واحدة من رواد (رائدات) الشعر الحر في العالم العربي. واحدة من الذين انقسم حولهم النقاد معتبرين أن قصيدتها «الكوليرا»، (التي كتبتها عام 1947 ونشرتها عام ,1949 في ديوان «شظايا ورماد»، وفق ما اتفق عليه)، كانت نقطة انطلاق شعر التفعيلة وقد سبقت بها عظيما كبيرا آخر، هو بدر شاكر السيّاب. أيضا، لطالما تعارك الاثنان حول من كانت له الأسبقية والحق في هذا الادعاء، متناسين معا أن ثمة من سبقهما من حيث الخروج على الوزن الخليلي، وحتى في الذهاب إلى أبعد من ذلك، أي كتابة قصيدة نثر. من هنا أين نضع مثلا أمين الريحاني في كتابه «هتاف الأودية»، الصادر عام ,1905 وبخاصة مقدمته التي طرح فيها هذه الإشكالية، مستندا إلى الشاعر الأميركي والت ويتمان، وقبل زمن طويل من حديث أهل مجلة شعر عن نظرية سوزان برنار. بهذا المعنى أيضا، كيف نقرأ جبران خليل جبران، وكيف نقرأ توفيق صايغ، الذي لم نرغب بعد في إخراجه من تهمة مجلة حوار وارتباطه مع من ارتبط؟ فكرة سخيفة بالطبع، في زمن هذه التحولات الجذرية التي نشهدها في عصورنا الراهنة، أليس كذلك؟
في أي حال، ثمة «طرح ما» قد يعيدنا إليه خبر الموت هذا، إذ لا بد أن يقودنا إلى إعادة قراءة نازك الملائكة بعد أن ابتعدت من على الساحة الأدبية، بسبب أمور شتى، وربما بعد أن طواها الزمن الحديث، بمعنى من المعاني، ليضعها بعيداً عن تحولات الراهن وحتى بعيداً عن تجذراته الجديدة، التي أخذت الشعر العربي الحديث، إلى آفاق لم تكن لتخطر على بال هؤلاء الرواد، وما نادوا به. حتى إن رغبنا في تقصير حديثنا، عن تلك الفترة، لوجدنا أن أسماء أخرى، بقيت حاضرة أكثر مما يحضر اسم نازك الملائكة.
آخر مرة عدت فيها إلى قراءة شعر نازك الملائكة، كان يوم صدور عدد «كتاب في جريدة» العدد 41 لرغبة في الكتابة عنه، وقد وجدت فيه عدداً من الحسنات، البعيدة عن الشعر، إذا جاز القول، إذ أنه وضعنا أمام قراءة شاعر عراقي آخر، وهو شوقي عبد الأمير، لقصائد الملائكة، فكل مختارات أدبية (أي كل أنطولوجيا) تملك، في عمقها، مشروعها النقدي. لأن القراءة، كما أجدها، ليست في النتيجة سوى عمل نقدي، وبخاصة إذا كان القارئ يتعاطى شأن الكتابة والأدب.
أما الحسنة الثانية، فقراءة القارئ للمختارات، التي تملك زاويتي نظر، أو قراءتين. القراءة الأولى، قراءة المختارات التي اختارها المعد والثانية، قراءة الشعر نفسه، شعر الشاعرة بعيدا عن أي قناة للتوجيه.
تلك المختارات أتاحت لنا أن نتذكر مجددا بأن نازك الملائكة وبعيداً عن قضية «الكوليرا»، وبعيدا عمن سبق الآخر «كانت رائدة الرومانسية في الشعر العربي الحديث بالمعنى الفلسفي والرؤيوي، فهي المرأة الشاعرة الأولى التي خلطت حلم الموت بالحياة، في نسيج رؤيوي لغوي موسيقي مبتكر في شعرنا المعاصر». قد تكون هنا «أهمية» نازك الملائكة، في كونها نحت إلى صوغ الرومانسية في قلب العملية الشعرية العربية الحديثة. ثمة العديد من قصائد دواوينها «عاشقة الليل» و«شجرة القمر» و«مأساة الحياة» و«شظايا ورماد» و«قراءة الموجة» و«يغير ألوانه البحر»، التي تنحو إلى كتابة هذه الأحاسيس، في بعديها التوصيفي الخارجي والحسي الداخلي، التي ترتكز على مسحات الكآبة والتي تغني الطبيعة... بمعنى آخر، نجد في شعرها، كل تلك الموضوعات التي كانت عزيزة جداً على قلب الرومانسيين، إلا أن الملائكة، لا تحاول نقلها، بل تعجنها بعجينة بيئتها وثقافتها ورؤيتها الخاصة.
وبعيداً عن ذلك كله، ما الذي تبقى اليوم من شعر نازك الملائكة؟ ليس في السؤال أي محاولة للتجني، ولكنه الأدب الذي يفرض علينا دوما، أسئلة مشابهة، في ظلّ هذه التطورات اليومية التي تدفع المعارف إلى أماكن مختلفة وجديدة.
أعترف أني لم أكن أشعر يوماً بانجذاب حقيقي إلى كلام الشاعرة. قرأتها إذ كان عليّ أن أقرأها. من هنا جاءت المختارات في «كتاب في جريدة» لتذكرني بها، إذا جاز التعبير، بعيدا عن أي تاريخانية وبعيدا عن موقعها وسؤال ريادتها. من هنا أيضا، أتساءل عن معنى هذه الريادة. لو أن الملائكة لم تكتب الشعر الحر، هل كانت حضرت بهذا الوزن في الشعر العربي المعاصر؟ لولا معاركها النقدية مع السياب، هل كانت تبوأت «المكانة» التي هي عليها اليوم؟ لكن عن أي مكانة نتحدث؟
في أي حال، لا استطيع أن أنسى، الفترة التاريخية التي عاشت فيها الملائكة، بيد أن الفن حيث يقع أسير لحظته التاريخية، لا بد وان يتقادم مع الزمن، أن يسقط معه، أن يغيب معه، أي أن يبقى في لحظته التاريخية، من دون أن يجد مقومات استمراره، هذا ما لم يقع فيه بعض الشعر الجاهلي، وبعض الشعر العباسي... الخ، أي ما زال الكثير من شعراء تلك الفترة، يحضرون بقوة، أكثر من غالبية رواد الحداثة، الذين حقا، لا افهم معنى ريادتهم.
ومع ذلك، لنعد قراءة الشاعرة، إذ لن يتوقف حضورها على ذائقتي الشخصية، وإنما هو سؤال من ضمن هذه الأسئلة، التي تطرأ على بالي في كثير من الأحيان.
السفير- 22 يونيو 207[/size]