نسمات المحبين
عزيزي الزائر الكريم .. زيارتك لنا أسعدتنا كثيراً .. و لكن لن تكتمل سعادتنا إلا بانضمامك لأسرتنا .. لذا نرجوا منك التسجيل في منتدانا
ادارة منتدى نسمات المحبين
ساهم بدعم المنتدى ولو بموضوع يوميا
نسمات المحبين
عزيزي الزائر الكريم .. زيارتك لنا أسعدتنا كثيراً .. و لكن لن تكتمل سعادتنا إلا بانضمامك لأسرتنا .. لذا نرجوا منك التسجيل في منتدانا
ادارة منتدى نسمات المحبين
ساهم بدعم المنتدى ولو بموضوع يوميا
نسمات المحبين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
نسمات المحبين

منتدى شبابي ترفيهي بنكهة عراقية تجدون كل ما هو جديد وحصري
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
زائر
أهَلاً ﯛسُهَلاً بْڪُ يَـآ .:: زائر ::. نَـﯜرْت آلمنُتدىْ بتـﯜآجدڪُ ، آخرُ زيآرةْ لڪ ڪانتُ فُيْ  
you tube
https://youtu.be/Iqk5oujZpHg

 

 نازك الملائكة،قضية الشعر العربي المعاصر -الجزء السابع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابن العراق
الأعضاء
الأعضاء
ابن العراق


ذكر الحمل عدد المساهمات : 48
تاريخ التسجيل : 20/08/2010
العمل/الترفيه : طالب

نازك الملائكة،قضية الشعر العربي المعاصر -الجزء السابع Empty
مُساهمةموضوع: نازك الملائكة،قضية الشعر العربي المعاصر -الجزء السابع   نازك الملائكة،قضية الشعر العربي المعاصر -الجزء السابع Empty2011-03-31, 03:42

حيل نازك الملائكة
(1923 2007)

ريادة الشعر الحر وانطواء وانتظار طويل للموت ومحاولة فك لغزه

ابراهيم درويش

ارتبط اسم الشاعرة العراقية الراحلة نازك الملائكة (1923 2007 ) بسؤال الريادة في الشعر العربي الحديث، من تمرد اولا علي اوزان الخليل ومن بدأ حركة الشعر الحر نازك، بدر شاكرالسياب ام عبدالوهاب البياتي ... ومن كان سابقا، قصيدة الكوليرا ((1947 ام هل كان حبا للسياب، وايا كان الجدل، فالتجديد في القصيدة العربية اضحي واقعا والقصيدة العربية قطعت مراحل طويلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تواصل التجديد والبناء، ومن هنا فالمهم قراءة تجربة نازك الملائكة باعتبارها صوتا تأسيسيا في حركة الشعر العربي الحديث. وتري سلمي الخضراء الجيوسي ان حركة الشعر الحر بدأت رسميا واعلاميا بصدور ديوان شظايا ورماد ((1949 بالرغم من ان 11 قصيدة من قصائد الديوان ( مجموعها 32) كانت مكتوبة علي طريقة الشعر الحر.
وقد قدمت الملائكة لديوانها عارضة لافكارها في الشعر الحر وتفضيلها له كوعاء فني اقدر من الشعر المكتوب بطريقة البحور الخليلية. الاسلوب الجديد في ترتيب التفعيلات الخليلية يحرر الشاعر من الوف القيود .وتقول الجيوسي ان الحركة / حركة الشعر الحر تلقت دفعة عندما اصدر بدر شاكر السياب (1926 1964) ديوانه الثاني اساطير . لم تنته قصة الريادة خاصة ان الملائكة وان المحت في بداياتها الي انها اول من اكتشف هذا الشكل لكنها نفسها في المراحل الاخري من تجربتها الشعرية ضاقت ذرعا بالحديث خاصة هجوم، البياتي عليها والذي كان يعتقد انه احق بالريادة، مع ان المرحوم الدكتور احسان عباس اكد علي اهمية دورها عندما تحدث عنه في كتابه عن بدر شاكر السياب، حياته وشعره وايا كان فالجيوسي تعتقد ان ديوان شظايا ورماد (1949) كان المنبر الذي بدأ منه النشاط النقدي حول الشعر الحر واسهمت كتابات الملائكة في البداية واللاحقة في نشوء حركة او نشاط فني ساعد في تفسير وتحديد معالم الحركة الجديدة، رغم ان النقاش التجديدي حول الشعر كان سابقا. وتلاحظ الجيوسي ان السياب وعبدالوهاب البياتي والملائكة بدأوا رومانسيين، خاصة الملائكة التي بدأت في ديوانها الاول عاشقة الليل انطوائية ورومانسية، وفردية تحمل في طيات تجربتها الشعرية ابداعا اكبر مما كان لدي معاصريها من الرومانسيين العرب. عموما ظلت الانطوائية ملمحا هاما من ملامح شعرها وحياتها، خاصة قصائدها في قرارة الموجة وشظايا ورماد . ومع ذلك كتبت قصائد عالية الجودة تخوض في هموم الفرد العربي والقلق الانساني.
وتأخذ الجيوسي علي النقاد العرب تضخيمهم لموقفها الانطوائي، ربما بسبب طريقتها الشخصية في تناول المشكلات الشمولية.
عندما تحدثت الملائكة عن ضرورة التحرر من قيود القديم كانت شابة وغير مجربة او ربما بالغت في حديثها لانها الغت بقولها هذا شعرا جميلا وقديما. لكنها بعدما نضجت واستوي عودها وعود تجربتها الشعرية عادت ربما بدافع لتقنين التجربة الجديدة، بعد ان خرجت عن مسارها كما كانت تعتقد، خاصة ان فترة الخمسينيات شهدت طوفانا من الشعر الحر الرديء. ومن هنا قامت بتغيير موقفها من الشعر الحر عندما اصدرت كتابها قضايا الشعر المعاصر حيث اتخذت موقفا حذرا وبدت اكثر حرصا علي تقعيد التجربة وقالت ينبغي ألا ننسي أن هذا الأسلوب الجديد ليس خروجاً علي طريقة الخليل، إنما هو تعديل لها، يتطلبه تطوير المعاني والأساليب خلال العصور التي تفصلنا عن الخليل . وقد تكون هناك اسباب عديدة تلك التي دفعتها منها ما اشارت اليه الجيوسي من خوف الملائكة من انحراف الشعر الجديد عن الخط القومي، خاصة جماعة مجلة شعر التي كانت تطالب بتحرر اكبر في الشكل الشعري ولغته. ولكن موقفها هذا لم يلق حفاوة من النقاد الذين شنوا عليها حملة شديدة، فقد خصص محمد النويهي جانبا كبيرا من كتابه قضية الشعر الجديد (1964) للرد علي اطروحتها، كما لم تلق افكارها قبولا من عزالدين اسماعيل ولويس عوض ويوسف الخال وجبرا ابراهيم جبرا الذين دافعوا عن حريتهم في اختيار الشكل العروضي المناسب.
علي العموم ان موقف الملائكة وهي المبدعة مدعاة للدهشة فتجارب شعرية رديئة لا يمكن ان تؤخذ معيارا لتجربة ابداعية وهي كمغامرة كان عليها ان تتحلي بقدر من التسامح والجرأة لاخذ التجربة لمداها الرحب ومن المفيد هنا العودة الي تجربتها الاولي في قصيدة الكوليرا التي قدمتها علي انها محاولة للخروج لفضاء شعري جديد، حيث تقول: بعد صدور عاشقة الليل بأشهر قليلة عام 1947 انتشر وباء الكوليرا في مصر الشقيقة ، وبدأنا نسمع الإذاعة تذكر أعداد الموتي يومياً، وحين بلغ العدد ثلاثمئة في اليوم انفعلت انفعالاً شعرياً، وجلست أنظم قصيدة استعملت لها شكل الشطرين المعتاد، مغيرة القافية بعد كل أربعة أبيات أو نحو ذلك، وبعد أن انتهيت من القصيدة، قرأتها فأحسست أنها لم تعبر عما في نفسي، وأن عواطفي ما زالت متأججة، وأهملت القصيدة وقررت أن أعتبرها من شعري الخائب الفاشل وبعد أيام قليلة ارتفع عدد الموتي بالكوليرا إلي ستمئة في اليوم ، فجلست ونظمت قصيدة شطرين ثانية أعبر فيها عن إحساسي، واخترت لها وزناً غير القصيدة الأولي، وغيرت أسلوب تقفيتها ظانة أنها ستروي ظمأ التعبير عن حزني، ولكني حين انتهيت منها شعرت أنها لم ترسم صورة إحساسي المتأجج، وقررت أن القصيدة قد خابت كالأولي، وأحسست أنني أحتاج إلي أسلوب آخر أعبر به عن إحساسي، وجلست حزينة حائرة لا أدري كيف أستطيع التعبير عن مأساة الكوليرا التي تلتهم المئات من الناس كل يوم . وفي يوم الجمعة 27/10/1947 أفقت من النوم، وتكاسلت في الفراش أستمع إلي المذيع وهو يذكر أن عدد الموتي بلغ ألفاً فاستولي علي حزن بالغ، وانفعال شديد ، فقفزت من الفراش، وحملت دفتراً، وغادرت منزلنا الذي يموج بالحركة والضجيج يوم الجمعة، وكان إلي جوارنا بيت شاهق يبني، وقد وصل البناؤون إلي سطح طابقه الثاني، وكان خالياً لأنه يوم عطلة العمل، فجلست علي سياج واطئ، وبدأت أنظم قصيدتي المعروفة الآن (الكوليرا) وكنت قد سمعت في الإذاعة أن جثث الموتي كانت تحمل في الريف المصري مكدسة في عربات تجرها الخيل ، فرحت أكتب وأنا أتحسس أصوات أقدام الخيل:
سكن الليل
أصغ، إلي وقع صدي الأنات
في عمق الظلمة، تحت الصمت، علي الأموات
ولاحظت في سعادة بالغة أنني أعبر عن إحساسي أروع تعبير بهذه الأشطر غير المتساوية الطول ، بعد أن ثبت لي عجز الشطرين عن التعبير عن مأساة الكوليرا ، ووجدتني أروي ظمأ النطق في كياني ، وأنا أهتف :
الموت، الموت، الموت
تشكو البشرية تشكو ما يرتكب الموت
وفي نحو ساعة واحدة انتهيت من القصيدة بشكلها الأخير ... وركضت بها إلي أمي فتلقفتها ببرودة، وقالت لي: ماهذا الوزن الغريب؟ إن الأشطر غير متساوية، وموسيقاها ضعيفة يا ابنتي ، ثم قرأها أبي ، وقامت الثورة الجامحة في البيت، فقد استنكر أبي القصيدة وسخر منها واستهزأ بها علي مختلف الأشكال، وتنبأ لها بالفشل الكامل، ثم صاح بي ساخراً: وماهذا الموت الموت الموت .... وراح أخوتي يضحكون وصحت أنا بأبي:
قل ما تشاء، إني واثقة أن قصيدتي هذه ستغير خريطة الشعر العربي . هذه الحكاية التي اسست فيها نازك الملائكة للقصيدة وتكشف عن وعي اولي بسطوة الموت، خاصة في اعمالها الاولي ووعيها وحساسيتها التي جعلتها تحاول فك سر الموت وانتظرته شابة وكهلة وعجوزا.
فمن الملاحظ ان نازك الملائكة انشغلت باكرا في فكرة الموت، فالموت يحضر دائما في اعمالها، مأساة الحياة واغنية الانسان (1970) الذي هو محاولة لفهم مكان الانسان في الحياة ومعني وجوده، في مقدمة هذا الديوان تقول انها في شبابها كانت تتعامل مع الموت كظاهرة مدمرة او كارثة يمكن للانسان ان يسمعها، فقد كان الموت هو اكبر تراجيديا للانسان، وقد حملت معها هذا الحس الخائف طوال حياتها، ومن هنا ظل الموت لغزا ومصدرا للكوابيس التي تغذي مخاوفه لحظة الموت رسم الحزن في محياه رعبا لم تر مثله الاحياء . الموت هنا لحظة الفناء والتلاشي لم يبق منه الدود شيئا يري ولم يذر منه الردي بقية الموت هو تعبير عن الدخول في نفق مظلم ومواجهة رعب اللحظة. ومن هنا كانت نازك معنية بوصف لحظة الدخول وصمت المقابر والشوك والاحجار التي توضع علي قبره، حيث تترك بقاياه لعالم مخفي الاسرار. تمظهرات الموت في شعر نازك الملائكة متعددة فهو قوة انتقام تضرب بلا رحمة و المغارة الغارقة عن سيل يجرف مقبرة يترك وراءه جثثا وجماجم وبقايا وعيونا مبحلقة، الموت قدر محتوم لا مفر منه والسيل العارم هو صورة من صور الموت فلا مفر منه وحتي الموتي ليسوا محصنين من سطوته. الموت ايضا هو تعبير عن عجز الانسان وعقمه، وتمشي الاحياء فوق بقايانا وداسوا عظامنا ودمانا. الموت هو المعادل الموضوعي للحياة وما منعها من حب الحياة هو الظلم والفقر والالم في مأساة حياة ترحل نازك مع الزهاد وتغوص في عالم القسوة وتغادر المدينة للريف وتبحث عن السعادة مع بقية الشعراء، ولكنها تعود خاوية الوفاض، رحلتها هنا تذكر بقصيدتها دكان القرائين الصغيرة حيث دخلت ازقة بغداد تبحث عن مصحف صغير تهديه لحبيبها المسافر ولكنها تعود من رحلته الروحية والمعبقة بالحناء والعنبر والعطر بلا مصحف صغير يعلقه حبيبها علي صدره كتعويذة تحميه من العيون وربما من الغياب. لم يكن الموت خوفا كله فهو تعبير عن السعادة لانه يحررها من مواصلة الرحلة الطويلة بحثا عن السعادة. تمنت الملائكة الموت سريعا وفي الشباب لانه، اي الموت، هو بمثابة العرس وقد خصصت في كتابها قضايا الشعرالمعاصر فصلا عن العلاقة بين الموت والشعر، حيث قدمت تحليلا عن موت الشاعر الرومانطيقي في عز شبابه، كيتس وبروك انكليزيا ومحمود الهمشري والشابي عربيا. انه تعبير عن اصالة الشعر وانفعالية الشاعر وحساسيته العالية التي تدفعه، ولهذا ظلت تنتظر الموت الذي كانت تعتقد انه سيحضر سريعا وليس متأخرا. وهنا كان حنين الملائكة للموت نوعا من الهروب من معاناة الحياة وملجأ من الخوف من تقدم العمر والشيخوخة. التوتر والمراوحة بين الخوف من الموت وكراهية الحياة كان عاملا غذي رحلتها ومن هنا جاء النداء دائما للعودة للشعر عودي للشعر والاحلام من اي شيء انت هاربة ، ان حب الشعر والقصيدة كان مخرجها من الخيارين الصعبين الموت والحياة. ومن هنا كان الطابع المميز لشعرها هو الحزن، اليأس، الكآبة، الالم والتشاؤم والعزلة والتمرد والتسليم، ربما كان خوفها من الموت نابع من حوادث في حياتها وهو موت والدتها في لندن عام 1953 بعد معاناة طويلة مع المرض، وهو ما تحدثت عنه في لمحات من حياتي وثقافتي . حاول الكثيرون فهم سر تعلق الملائكة بفكرة الموت منها ربطها بفظائع الحرب العالمية الثانية او حوادث ومآس عائلية او نظرا لتجذر فكرة الحزن في شعرها او محاولتها فك لغز الموت ولكنها في النهاية وقفت عاجزة امام سره فقد ظل الموت لغزا ظل يعاند ويراوغ قلبها الحزين. ومن هنا اشارت الي كيفية تعامل روبرت بروك الذي زارت مسكنه في كامبريدج وأحد الشعراء الذين تأثرت بهم، ان بروك لا يرِي في الموت غرابة تجعله يبالغ في حبه وانما هو شيء اعتيادي له ما للحياة من جمال ، وفيه ما فيها من انزعاج لا اكثر .
ولكن هذا الاهتمام بلغز الموت كان سابقا ووعيه مبثوث في كل اعمالها. تذكر حياة شرارة في كتابها صفحات من حياة نازك الملائكة (1994) ان نازك واجهت فكرة الموت بطريقة ارعبتها عندما كانت تدرس في جامعة ويسكونسن، ماديسون حيث مرت في خاطرها فكرة موت الانسان متجمدا في رحلة لها الي بحيرتي كومو وجنيفا اللتين تبعدان قليلا عن ماديسون، وهي تجربة رهيبة تركتها اسيرة مخاوف وشربت اكثر من كوب شاي ساخن لتهدئة اعصابها. وقد تحدثت نازك عن معركة امها مع المرض وموتها وقضيت اربعة ايام رهيبة في لندن لا اقوي علي النوم، وكنت اتعذب بفكرة عنبر الموتي الذي ترقد فيه امي الحبيبة وكانت لا تفتأ ترن في سمعي: انهم سيقتلونني .
نازك الملائكة كانت صورها تعلق في محلات بغداد واشتهرت ولما تبلغ الثلاثين من عمرها. عاشت سنواتها الاخيرة بعيدة عن الاضواء لدرجة ان اكثر من شائعة انتشرت عن وفاتها، وهي بعد ان استقالت من جامعة الكويت عام 1982 وعادت لبغداد ظلت بعيدة عن الاعلام . وانتقلت الي القاهرة بعد عام 1994 حيث لفظت انفاسها، ماتت نازك الملائكة في قاهرة المعز ، وكأن الزمن يعيد دورته الغريبة فعندما اجتاح المغول بغداد عام 1256 ودمروها نهضت مصر والقاهرة ولكن قاهرة اليوم لم تنهض عندما سقطت بغداد 2003. تموت نازك الملائكة التي اختارت العزلة والانطواء في سني حياتها الاخيرة وبغدادها/ عراقها يعيش وباء الموت تماما كما كتبت قبل ستين عاما عن وباء الكوليرا استيقظ داء الكوليرا... حقدا يتدفق موتورا ، الجامع مات مؤذنه... الميت من سيؤبنه . موتي موتي ضاع العدد.. موتي موتي لم يبق غد .
ولدت نازك صادق الملائكة في بغداد يوم 23 آب (اغسطس) عام 1923 في أسرة معروفة بحب العلم والثقافة والشعر وكانت أمها تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية باسم أدبي هو (أم نزار الملائكة) أما أبوها صادق الملائكة فترك مؤلفات أهمها موسوعة (دائرة معارف الناس) في عشرين مجلدا. درست الشاعرة الراحلة اللغة العربية في دار المعلمين العالية وتخرجت فيها عام 1944 كما درست الموسيقي بمعهد الفنون الجميلة. ثم درست اللغات اللاتينية والانجليزية والفرنسية وأكملت دراستها في الولايات المتحدة عام 1954 حيث حصلت بعد عامين علي شهادة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة ويسكونسن. والملائكة لقب أطلقه علي عائلة الشاعرة بعض الجيران بسبب ما كان يسود البيت من هدوء ثم انتشر اللقب وشاع وحملته الأجيال التالية.
وعملت الملائكة بالتدريس في كلية التربية ببغداد ثم بجامعة البصرة ثم بجامعة الكويت. صدر ديوانها الأول عاشقة الليل عام ( 1947) ببغداد ثم شظايا ورماد عام ( 1949) و قرارة الموجة عام (1957) و و شجرة القمر (1968) و يغير ألوانه البحر (1970 ) و الصلاة والثورة ( 1978) كما صدرت لها عام 1997 بالقاهرة مجموعة قصصية عنوانها الشمس التي وراء القمة .
ومن بين دراساتها الأدبية: قضايا الشعر المعاصر (1962) و سيكولوجية الشعر ( 1992) فضلا عن دراسة التجزيئية في المجتمع العربي (1974 ) ومقاطع من سيرتها الذاتية اهتمت بالسيرة الذاتية لمحات من سيرة حياتي وثقافتي .
ورحبت الشاعرة شعرا بثورة رئيس الوزراء العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم عام 1958 لكنها اضطرت لترك العراق وقضت في بيروت عاما كاملا، وفيما بعد وصفت قاسم بالرجل الذي استهوته شهوة الحكم.
ورغم غياب نازك الملائكة عن المنتديات الثقافية في السنوات الأخيرة فإنها ظلت في دائرة الضوء إذ حصلت علي جائزة البابطين عام 1996. وقدمت لها جامعة البصرة دكتوراه فخرية.
كما أقامت دار الأوبرا المصرية يوم 26 ايار (مايو) 1999 احتفالا لتكريمها بمناسبة مرور نصف قرن علي انطلاقة الشعر الحر في الوطن العربي. وشارك في الاحتفال الذي لم تشهده نازك الملائكة لمرضها شعراء ونقاد مصريون وعرب بارزون إضافة إلي زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة الذي أنجبت منه ابنها الوحيد، البراق.
احبت نازك طفولتها وتمنت قائلة: ليتني لم أزل كما كنت طفلا ليس فيه إلا السنا والنقاء كل يوم ابني حياتي أحلاما وأنسي إذا أتاني المساء.
فيما يلي قصيدة (الكوليرا) التي تعتبر اول قصيدة تفصيلة عربية

القدس العربي- 22 يونيو 207

******************************************************

ملف النهار


رحيل نازك الملائكة

الذهب
بحسب "عياره"

توفيت أول من أمس، في القاهرة، الشاعرة العراقية الرائدة نازك الملائكة عن عمر يناهز الرابعة والثمانين. لكن الشاعرة كانت "توفيت" أدبياً واجتماعياً، قبل هذا التاريخ بكثير، مذ قررت الانسحاب من الشعر والنقد و... العيش. على أن هاتين الوفاتين لن تطمسا يوماً حقيقة كونها رائدةً، مع آخرين من شعراء بلاد النهرين وما بينهما، في كتابة "الشعر الحر"، وفي أنها الأولى ربما بين اللواتي كتبن قصيدة "أنوية" جريئة، فردية ورومنطيقية، في حياتنا الأدبية العربية الحديثة، المثقلة بريادات الشعراء الذكور وأحمالهم الإبداعية الجمّة. وإذ تُحفَظ لها الريادة في هذين المجالين، كما أيضاً في باب النقد الأدبي، فذلك قد لا يكون كافياً تماماً لكي يثمّن أهل الاختصاص تثميناً إيجابياً كاملاً، “عيار” الذهب الذي صقلت الشاعرة سبائكه في خمسة دواوين شعرية، بدءاً من قصيدة "الكوليرا" الشهيرة التي جادت بها قريحتها ذات يوم من عام 1947. فهذه مسؤولية يفترض بالنقد الموضوعي الهادئ أن يضطلع بها، في غير مثل هذه المناسبة، كاشفاً عن قابلية هذا الذهب "الملائكي" لمعايشة أزمنة الحداثة الشعرية وما بعدها، والعيش فيها. "النهار" التي كانت منذ تأسيسها، ولا تزال، مكاناً رحباً للالتقاء بالشعر العربي وشعرائه، تفتح صفحتها الثقافية هذه، لشهادات عراقية ولبنانية في الشاعرة، وإن راحلةً، باعتبار أن الذهب الشعري إذا كان أصيلاً يستطيع أن يشعّ من تلقائه، وخصوصاً في غياب اليد التي صقلته.

***

نازك الملائكة حقاً ماتت

جمانة حداد
(لبنان)


ماتت الشاعرة العراقية نازك الملائكة. سيقول كثرٌ إنها "ماتت" منذ وقت طويل: منذ قرّرت، مثلاً، التوقّف عن كتابة الشعر، أو على الأقل عن نشره (صدرت مجموعتها الأخيرة "يغيّر ألوانه البحر" عام 1970)، أو منذ ارتأت الانسحاب الى ظلال الصمت وشِعر الحياة الخاصة، بعيداً من ضجيج الاعلام و"فخاخ" ما يسمّى بالوسط الثقافي. إنسحاب يشبه، إلى حد بعيد، الانتقال الى الضفة الثانية. إنسحابٌ حاسم ومحميّ، حدّ أن البعض فوجئ بخبر رحيلها، ولم يتمالك من السؤال: "أحقاً كانت لما تزل على قيد الحياة؟".
أجل، كانت نازك الملائكة لا تزال على قيد الحياة. وربما على قيد الشعر ايضاً. ما أدرانا، نحن الدخلاء الخارجيين، بحقيقة أحوالها مع الكتابة، وفيها، وبكيفية تأثيثها عزلتها الطويلة تلك؟ كانت حيّة إذاً، وماتت "فعلياً" في العشرين من الشهر الجاري. لكننا لن نغتنم "فرصة" غيابها لكي نكيل لها المدائح. من جهتي، مثلاً، لن أدّعي بصفاقةٍ أني أحبّ شعرها، أو أني حتى أنتمي إلى بعضه، رغم "إرهاب" رحيلها. فلرحيل الكبار هيبةٌ مشوِّشة لا يُستهان بها، وهيبةٌ محرِّضة على اتباع اللياقات، وربما التزوير: سأكون كاذبة هنا، ومبالِغة هناك. حسبي أن نازك الملائكة تستحق أكثر بكثير من رياء المجاملات الراثية: بل أحترمها حدّ أني أنظرها اليوم، بعد وفاتها، عيناً بعين، وأقول لها: لا صلة قربى لي بشعركِ. ولا أحب نَفَسكِ الرومنطيقي الذي يلامس شفا السذاجة في بعض القصائد، حتى من هذه المسافة المتباعدة التي تفصلني عن عصركِ، وهي مسافة كان ليكون من شأنها أن "ترأف" برومنطيقيتك، وتبرّرها.
لا، لستُ بمتذوّقةٍ لشعركِ، لكني، في المقابل، أحترم كتاباتك النقدية (رغم اختلاف وجهتي نظرنا)، مثلما أحترم تشميركِ الشجاع عن ساعدَي لغتكِ الشعرية، وغوصكِ، أو على الأصحّ، محاولة غوصكِ في هاوية الحداثة، أو لنقل "التجديد": أسواء نجح ارتماؤكِ هذا أم لم ينجح، - وكيف ينجح ارتماءٌ يليه تراجعٌ سريعٌ وارتدادٌ ناقضٌ كتراجعك وارتدادك؟ – فالمسألة أنكِ ارتميتِ. وفي هذا الارتماء مبادرة. وفي مبادرة كهذه مساءلة. وفي كل مساءلة تطوّر ما، لا مفرّ.
يعجبني أيضاً، بل ربما يعجبني خصوصاً حضوركِ الناتئ كامرأةٍ وشاعرةٍ (وإن لم يكن هذا هو المعيار، لكنه يدغدغ كياني "الأنثوي"، أعترف)، وسط عصبة من روّاد الخمسينات والستينات، رغماً عن أنف ذكورة ذلك الزمن (ذكورةٌ لم نفلح في دقّ عنقها حتى يومنا هذا).
أحبّ أيضا البعد الانساني في بعض شعركِ. ولا أعني بالبعد الانساني اعتمادكِ نبرة الالتزام والنضال لايصال رسالتكِ. بل إيهامكِ إيانا، نحن قراءك، أنّ العالم الذي تتحدثين عنه هو عالم قد عشتِه بلحمكِ ودمكِ، بأوجاعكِ وجروحك، بأحلامك ودماراتكِ. لكني آخذ عليكِ أن رومنطيقيتكِ المعجمية واللغوية لا تتناغم مع زئير الملدوغ بسمّ الدهر والمحروق بجمر التجربة. عدم التناغم هذا، ربما هو الذي حال دون أن تغرز أناكِ أظافرها في ظهر العالم، ودون أن يحفر شعركِ في جوهر الأشياء وصولاً الى اللب الذي يمس الانسانية جمعاء.

***

ماتت الشاعرة العراقية نازك الملائكة. "ما لكِ ولمحاسبتها الآن، غداة رحيلها"، تسألون؟ أخاف أن تبهت مآخذي النقدية عليها، وأن تتضخّم أسباب إعجابي بها. هذا ما يفعله الموت (للأسف؟ لحسن الحظ؟).
وهذا ما لا يستحقه الشعر.

***

وداعاً نازك

كاظم جهاد
(العراق/باريس)

"وداعاً نازك"، أقول، ولستُ عديم الوعي بما في عنوان كهذا من مفارقة. فيه من الألفة وإلغاء المسافة ما لا ينبغي أن يهبه لنفسه مَن لم يعرف الشاعرة الفقيدة معرفة مباشرة ولم يكن، وهذي هي حالتي أنا، من مخاطبيها القريبين. ولكني إذ أكتب على هذه الشاكلة فإنما أحاكي عُرفاً سرى في كتابات أغلب النقّاد. لقد ارتبطت نازك الملائكة ببدايات الشعر الحر، وبدايات تفتّح الوعي الحديث عند الأدباء العرب، بحيث صارت واحدة من مؤسّسي هذا الوعي وواحدة من أكبر "الشقيقات" وأقربهنّ إلى الروح في الدرب الشائك الطويل.
وبالرغم من كلّ ما أثاره توقّف الشاعرة بعد ثلاث مجموعات شعريّة شديدة الخصوصيّة من أسف واستغراب، ومع كلّ ما يكتنف إنتاجها الشعريّ من ظلال رومنطيقية، لم يكن ممكناً أن يتخلّص منها الشعر العربي دفعة واحدة، ومع جميع الحدود شبه المتعسفة التي يوحي بها تنظير نازك، والتي يبدو أنها أرادت أن تحبس فيها انطلاقة القصيدة الحرّة، رغم هذا كلّه كان انخراطها في التأسيس الحقيقيّ للشعر العربيّ الحديث وللوعي العربيّ الحديث، النسويّ منه أو الإنسانيّ بعامّة، وثيقاً ومؤكَّداً. يكفي أن نعيد قراءة "عاشقة الليل" و"شظايا ورماد" و"قرارة الموجة"، لنقف على شعر امرأة عرفت أن تمنح العربيّة سيولة ودفقاً لا يتراجع أمام ما عرف السيّاب والبيّاتي أن يمنحاه في الفترة نفسها للقصيدة؛ امرأة عرفتْ، إلى ذلك، أن تعبّر بروعة ونفاذ عن عزلتها كامرأة شرقيّة. وهي لم تفعل ذلك بلغة شعاريّة ولا في نواح وشكوى مريرة، بل بأنْ سلكت طريق الصوَر والاستعارات والكنايات الكبرى. رحلة في قطار، جلسة وراء نافذة تفصلها عن العالَم وفي الأوان ذاته تأتيها منه بصخب وإشارات متنائية، مراقبة ليليّة حالمة للنجوم، وضعيّات "دراميّة" وتأمليّة كهذه كانت تكفيها لترسم انكفاء عالَمٍ صودرتْ منه رغبته، ولتؤكّد هذه الرغبة بقوّة لا تكفي لإخمادها جدران الشرق العتيق كلّه.

****

أكبر شاعرة عربية في القرن العشرين

فاضل العزاوي
(العراق/ برلين)

حينما كنت أدرس في بداية الستينات في كلية التربية في بغداد كنت أرى نازك الملائكة تتنقل بين الصفوف، حاملة في يدها إضبارات لا بد انها كانت تتضمن محاضراتها التي تلقيها على طلبة اللغة العربية الذين لم أكن واحدا منهم، فقد كنت طالبا في قسم اللغة الإنكليزية. ورغم اني كنت قد قرأت حتى قبل أن أنتقل الى بغداد للدراسة وفي مرحلة مبكرة دواوينها "عاشقة الليل" و"شظايا ورماد" و"قرارة الموجة"، فلم أجد في نفسي الشجاعة لأوقفها وأعلن لها عن إعجابي بقصائدها ذات النبرة العاطفية الغنائية الحزينة التي كنت أفتقدها في قصائد زملائها الآخرين من الشعراء الذين انتقلوا بالشعر العربي من القصيدة العمودية الى قصيدة التفعيلة او الى ما صار يعرف خطأ ب"الشعر الحر" الذي كانت نازك الملائكة أول من اقترحه كمصطلح. لم يكن هذا الشعر الذي ينسب الفضل في ابتكاره الى نازك الملائكة وبدر شاكر السياب شعرا حرا بالمعنى الغربي للمصطلح، فهو شعر يلتزم من الناحية الشكلية التفعيلة التقليدية ولا يختلف عن الشعر العمودي إلا بحرية الشاعر في عدد التفعيلات التي يستخدمها في البيت الواحد. لكن هذه الحرية قلبت الشعر العربي رأسا على عقب، متيحة للشاعر منظورا آخر الى موضوعه وفي طريقة التعبير عنه.
لم تكن نازك الملائكة او السياب أول من ابتكر هذا الشكل الجديد في كتابة القصيدة، فقد سبقهما آخرون في ذلك، لكن أهميتهما تكمن في ابتكار قصيدة جديدة تختلف كثيرا عن الطريقة التي تنظر فيها القصيدة العمودية الى العالم الذي تتعامل معه. من خلال قصيدة نازك والسياب صار الشعر أكثر التصاقا بالحياة الحقيقية للإنسان وأكثر حساسية في التعبير عن مواقفه من العالم الذي يعيش فيه. فالصوت هنا هو صوت الشاعر الشخصي والخاص والإستثنائي، مقابل الإيقاع الخارجي الذي شكّله تاريخ طويل من القصائد المكررة المسطحة، تاريخ يرتبط بعقل لم يعد راهنا وبقيم لا تكاد تنتمي الى عصرنا الذي نعيش فيه. نازك في هذا المعنى شاعرة رائدة فتحت الباب للقصيدة العربية الحديثة التي سارت بالتجربة الى أقصى مدياتها، رغم أن نازك نفسها لم توافق على هذا المآل. فإذا كانت تبدو مبتكرة ومجددة في قصائدها وكتاباتها النقدية الأولى فإنها صارت في ما بعد أكثر صرامة ومحافظة في تقويم التجارب الشعرية الجديدة، في محاولة منها لتقييد القصيدة الجديدة باشتراطات جديدة او قديمة، ولكن أيضا للجم التطور الكبير الذي شهدته القصيدة العربية التي أعقبت قصيدة الرواد.
لم تكن نازك الملائكة مكثرة في كتابة الشعر، فقد نشرت خمسة دواوين، واحد منها هو مطولة شعرية كانت كتبتها في بداية العشرينات من حياتها بعنوان "مأساة الحياة وأغنية للإنسان"، لكنها لم تنشرها إلا في العام 1970، وهي مطولة من 500 صفحة تلتزم الشكل العمودي. كان ديوانها الأول المنشور هو "عاشقة الليل" قد كرس سمعتها كشاعرة كبيرة. ورغم انه ديوان يلتزم هو أيضا الشكل العمودي إلا أن نبرة نازك الرومنطيقية الحزينة سحرت الكثيرين، فضلا عن لغتها الرصينة الخاصة بها. أما سمعتها كشاعرة مجددة فجاءت مع ديوانيها "شظايا ورماد" و"قرارة الموجة"، في حين شكل ديوانها "شجرة القمر" خيبة بالنسبة الى الكثير من شعراء الحداثة.
ولعل ما يلفت في تجربة الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة هو توقفها عن كتابة الشعر منذ ما يقرب من أربعة عقود من الزمن، وهذا يبدو لي على علاقة كبيرة تارة بمفهومها عن الشعر وأخرى بروحها الرومنطيقية الغنائية. ربما يمكن أن ننسب ارتدادها عن روحها التجديدية الأولى الى النزعة الأكاديمية التي هيمنت على تنظيرها للشعر، أما توقفها عن الكتابة فيرتبط بطبيعة شعرها. فإذا كان من الممكن لفتاة شابة في العشرينات او أوائل الثلاثينات من عمرها أن تتأثر بشاعر مثل كيتس وأن تكتب شعرا يتفجر عاطفة، فانه صار من الصعب عليها امتلاك مثل هذه العاطفة في فترة تالية. وما كان في إمكانها الإنتقال الى فهم جديد آخر للشعر ينتقل بها الى عوالم ورؤى أخرى. لكنها امتلكت ما يكفي من الشجاعة والإخلاص مع نفسها لتتوقف عن الكتابة.

*****

سيسألنا الله يوماً فماذا نقول؟

سليمان بختي

غياب الشاعرة العراقية نازك الملائكة في القاهرة أول من امس، يعيد القاء الضوء على دورها الريادي في حركة الشعر العربي الحديث، وعلى مسار الشعر العربي بعد النصف الثاني من القرن الماضي وحتى اليوم.
حفرت نازك الملائكة طريقاً آخر للشعر وشكلاً مغايراً للقصيدة العربية. وتعتبر من أبرز رموز الحداثة في الشعر المعاصر وأكثر الاصوات النقدية اثارة للجدل في النصف الثاني من القرن الماضي، وخصوصاً في أطروحاتها في كتابها "قضايا الشعر المعاصر". ولعل ما حققته نازك الملائكة في هذا المجال انها "وقتت" له في مواكبة للتغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي احرزتها الحرب العالمية الثانية. ثمة لحظة تاريخية كانت مؤاتية ولم تدعها نازك الملائكة تفلت منها. وهي لم تكتف بالقصيدة فقط بل اشتغلت على التأسيس النقدي وكتبت في تنظير حركة الشعر الحديث ومقوماته الفنية. ووضعت عمود الشعر الخاص بالتفعيلة مع وعي خاص ومرهف بالبنية الايقاعية في القصيدة العربية. وربما يعود هذا الشغف الخاص بالايقاع لأنها في صغرها تعلمت العزف على العود على أيدي امهر العازفين في بغداد، ما اكسبها حسا بإيقاع الكلمة وجرسها. ولكن، هل كانت ريادة نازك الملائكة ومكانتها الشعرية وخطابها النقدي استجابة لرغبتها في البحث الدائم عن طريق جديد؟ في هذا يقول الدكتور احسان عباس "ان ما دفع نازك لارتياد تجربة جديدة هو محاولة التغلغل في اعماق النفس في مجتمع لم يتعود صراحة المرأة في التعبير عن مشاعرها، وان هذه التجربة تخلصها من ايقاعات البطولة الرجالية في شعر الرجال". وهذا الكلام لا يردّ الفضل الى مصدره فقط بل يؤكد الدور المؤسس والمجدد للمرأة في الشعر العربي. لكن المفارقة، هنا، ان ثمة من صنّفها ناقدة اكثر من كونها شاعرة، مع الاعتبار بفضل السبق لقصيدتها "الكوليرا" عام 1947 والتي سبقت قصيدة بدر شاكر السياب (1926 – 1964) "هل كان حبا" والتي نشرت في العام نفسه.
اثارت كتابات نازك الملائكة النقدية السجال والنقاش وخصوصا في قضية الشكل. انهمكت في البحث والتقصي لوضع عمود جديد حر للشعر والدفاع عنه بقصد توسيع الآفاق والاحتمالات للشاعر، وتقول في كتابها "قضايا الشعر المعاصر" عن ذلك: "ان الشعر الحر شكل جميل مكتمل وهو غير مسؤول عن ضعف طائفة من شعرائه وجهلهم واغرابهم، تماما كما ان شكل الشطرين جميل في ذاته، وهو غير مسؤول عن تقليدية الذين ينظمونه وجمودهم، ولذلك اؤمل ان يكون رأيي هذا دعوة فعلية الى الفصل بين الشكل المجرد وعيوب الشعر الذي ينتظم في اطار هذا الشكل. ان الشكل، بصفته المطلقة، صيغة جمالية مبرأة من العيوب، سواء اكان حرا ام خليليا".
لكن نازك الملائكة لبثت صادقة في مغامرتها الشعرية، وفي تفاعلها مع صيغ الاشكال والتصنيفات التي وضعتها. وقد ذكرت ذلك: "نبه اكثر من اديب الى انني انا نفسي استعملت التشكيلات الخماسية في شعري، وقد ادهشني هذا فرجعت الى قصائدي فاذا الامر صحيح، ومن ثم فان الظاهر انني مجزأة الى جانبين: جانب منه ذهني يرفض كل تشكيلة خماسية رفضا كاملا، وجانب منه سمعي يتقبلها ولا يرى فيها ضيرا، او لنقل ان الناقدة فيَّ ترفض والشاعرة تقبل". ورغم ذلك، امتاز شعرها بالقدرة الفائقة على بناء القصيدة، وعلى بلورة لغة خاصة بها على المستويين التركيبي والدلالي. وتحمل قصيدتها مناخاً رومنطيقياً خالصا يشبه شعر الشاعرات الرومنطيقيات في بريطانيا، واستطاعت ان تحمل في شعرها مضامين ذاتية كان حدسها استشرافياً وخصوصاً في دمج الخاص بالعام. واكثر ما يبدو ذلك ايضاً في ما قالته في هذه القصيدة:
"سيسألنا الله يوماً فماذا نقول:/ نعم قد منحنا الذرى والسواقي/ ومجد التلول/ ولكننا لم نصنها، ولم ندفع الريح والموت عنها/ فباتت كزنبقة في هدير السيول".
كأنها ادركت ان ما حاولته ظل ناقصاً ولم يصل الى غاياته. وهذا ربما يفسر ما كتبته في مقدمة ديوانها "شجرة القمر" وتنبأت فيه بعودة الشعر العربي الى القصيدة التقليدية.
المهم، لم تصدق النبوءة في عودة الشعر العربي الى التقليدية، ولكن صدقت النبوءة في عودة الواقع العربي الى ما هو أشد وادهى من التقليدية، الى سلفية عصبية مريضة. والدليل ما جرى في العراق والعالم العربي من نكوص وارتداد وانقلابات وحروب. وهذا، ربما، اضعف صوت نازك الملائكة، اضافة الى فترة مرضها الطويلة وانكفائها. هل نقول ان نازك الملائكة هي الابنة الحقيقية لزمن التمرد والتجديد؟ ام انها نموذج شعري فريد لم ينل حقه في عالمنا العربي؟
يبقى ان نازك الملائكة وبعد كل هذه الرحلة الصعبة، استطاعت بفضل موهبتها الشعرية الاصيلة وثقافتها التراثية والحداثية الواسعة، ونزعتها الواضحة الى التمرد ورؤيتها النقدية المطعمة بالبحث والتجريب والتجريس الاكاديمي، ان تثبت ريادتها وحضورها واضافتها الخاصة في الشعر والنقد والحياة.

******

خذلها العالم بأجمعه

صلاح حسن
(العراق/ أمستردام)

ذات يوم في عمان وفي بار ال"هورس شو"، ذكر لي الشاعر العراقي الكبير المرحوم عبد الوهاب البياتي وبما يشبه الاعتراف ان نازك الملائكة هي أول من كتب القصيدة الحرة في العراق. وقد سبقته هو والسياب بأكثر من سنة ونصف سنة عندما كانوا في دار المعلمين العالية في بغداد. كنا نتحدث عن قصيدة جديدة للبياتي مهداة إلى القس الشاعر ارنستو ساباتو قرأها لي فاقترحت عليه أن يسميها "التنين" وقد وجد العنوان جميلا فأصبح اسم القصيدة "التنين" من دون أن يحذف الإهداء الذي وضعه في ما بعد بين قوسين.
لم يكن البياتي في ذلك اليوم كعادته، فقد بدا حزينا صامتا. وعندما حدثته عن زوجتي وأطفالي الذين تركتهم عندما هربت خلفي تحت سياط الديكتاتور، بدأت الدموع تنهمر من مقلتيه. وحين شاهد صاحب البار دموع البياتي اقترب مسرعا من الطاولة موجها الكلام اليّ: ماذا يحدث على طاولة البياتي؟ لكن أبا علي رد عليه قائلا: "إني أتذكر... والذي يجلس أمامي صديقي". سرد علي كيف انتحرت ابنته البكر في أميركا وكيف منعوه في بغداد من السفر من اجل نقل الجثمان إلى العراق. قال: لقد تدخلت عاهرة تعمل في القصر الجمهوري لدى وزارة الثقافة واستحصلت لي الموافقة على السفر.
رغم اني رافقت البياتي سنتين متواصلتين في عمان لم ننقطع يوما واحدا وأوصله في نهاية كل ليلة إلى البيت ، إلا اني لم اعتد ان اسمع منه مثل هذه الأسرار، وخصوصا سر الريادة الذي لا يزال يشغل الكثير من النقاد والمؤرخين والقراء أيضا. إذاً، نازك الملائكة هي الرائدة، كما يقول مجايلها البياتي، احد أعمدة الشعر العربي الحديث في العالم العربي. أما لماذا لم يصرح بذلك في لقاءاته الصحافية الكثيرة فهذا ما لا أريد أن أخوض فيه.
كانت الشاعرة الرائدة تعزف العود وتجيد أربع لغات هي الفرنسية والانكليزية واللاتينية بالإضافة إلى العربية. بدأت بكتابة الشعر في وقت مبكر جدا متأثرة بأمها الشاعرة سلمى عبد الرزاق وأبيها الشاعر صادق جعفر الملائكة وبجو البيت الذي يخصص الكثير من الوقت للأدب والفن والحرية كذلك. كانت أول طالبة في العالم تقبل في جامعة برنستون الاميركية التي كانت حكرا على الرجال. نازك الملائكة التي شرّعت الكثير من الأبواب أمام الأجيال الشعرية قررت ان تغلق خلفها الباب والى الأبد بعدما خذلها العالم بأجمعه حين لم يعطها حقها في الريادة.

*****

الرائدة المغيَّبة

دنى غالي
(لبنان/ كوبنهاغن )

تصحو نازك الملائكة فجأة في أذهاننا وتغيب من دون أثر، بسبب صرعة صحافية أو حفل تكريم لها أو جائزة. هكذا كانت في حياتها مذ وعيتُ الحياة الادبية في العراق حتى السنوات الاخيرة بعد مغادرتي الوطن، الى لحظة الاعلان عن وفاتها. لكن غيابها حقيقة اليوم ليس من دون أثر، فما تركته من دواوين سيخلِّد ذكرها طويلا، في الوقت الذي يثير فينا جملة من التساؤلات، على الاخص الاجيال التي أتت من بعدها وهي المرأة الشاعرة ومن رواد الشعر العربي الحر.
هكذا كانت الحال دائما معها في ذاكرة الاجيال اللاحقة والحالية، شاعرة مغيبة أو منسحبة. ولا يتوقف الكثيرون منا للسؤال عن أسباب ذلك، وخصوصاً العراقيين، إذ لطالما غيَّب التاريخ والانظمة المتعاقبة على العراق من شعراء وكتاب وعلماء. اللافت أن تشذَّ نازك الملائكة، في رأيي، بغيابها المضاعف في حياتها، فبعيدا عن جدل الأولوية في كتابة القصيدة الحرة، لا أذكر في دراستنا للأدب في مناهجنا المدرسية الكثير عنها ومدرّسة الادب العربي الوحيدة التي اخصها بالامتنان لحماستها للشعر آنذاك، الشعر الحر على الاخص، بذلت جهدا متميزا في التعريف ببدر شاكر السياب وفي دراسة شعره ونحن بعد ما زلنا اطفالا، ولكن مع الاكتفاء، وبطريقة مدرسية تقليدية، بالمرور السريع بنازك الملائكة وما صدر لها من دواوين. ورغم ان الشاعرة عملت محاضِرة في سلك التدريس، في البصرة ضمنا، وعرفت بجديتها وصرامتها، لم تأخذ قصائدها حظها من الانتشار الذي أخذته أشعار البياتي والسياب أو أخذه شخصاهما. ذلك حصرا بين أوساط المثقفين والشعراء في مدينة البصرة، مسقط رأسي، التي كانت ايضا مركزا ثقافيا متميزا له ثقله. وستعترض الأجيال التي سبقتني من بعض الشعراء والمثقفين لرأيي، وذلك ما هو الا تكريس لصفة احتكار الحقائق والعلم بالمطلق لكني ارى أنها لم تأخذ حقها ولذلك اسباب بلا شك.
هل لذلك علاقة بسيادة الرجل والتسليم بتفوقه، ام له علاقة بالذائقة وطبيعة النصوص التي كتبتها والتي يعتبرها البعض نصوصا لم ترد لها الشاعرة "المجددة والرائدة والمسافرة" الاخلال بالضوابط الاجتماعية المفروضة في المجتمع آنذاك، لذا جاءت محكمة بسيطرتها على المشاعر والتقنين في العاطفة، وخلت من الحيوية والانفعال اللذين تميزت بهما نصوص السياب، وربما الحيدري والبياتي في ريادتهم جميعا بالشكل والمضمون. يطرأ على البال عامل اخير قد يكون له دوره في مجتمعاتنا العربية، فلا أدري إن كانت لها توجهات او مواقف سياسية او فكرية وايديولوجية لها الاثر في ابتعادها هذا عن الذاكرة في وعي العامة وفي التفاف الوسط "دونها" والاحتفاء بالآخرين من رواد الشعر الحر.

******

مصالحة أخيرة بين أم القصيدة وأبيها

زينب عساف
(لبنان)

"الموتُ الموتُ الموتْ/ تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ". بهذه الكلمات التي كتبتها في قصيدتها الشهيرة "الكوليرا" (1947)، حطّمت الشاعرة العراقية نازك الملائكة عمودية القصيدة. وبعيداً من سجال الأسبقية بينها وبين مواطنها بدر شاكر السيّاب، لعلها مفارقة أن تحرر القصيدة العربية الحديثة بالموت، والموت وحده. وفاة نازك الملائكة في القاهرة إثر هبوط حادّ في الدورة الدموية عن عمر ناهز الرابعة والثمانين، بعد معاناة طويلة مع المرض، لم تكن مفاجئة، فهذه الشاعرة التي اختارت الصمت والابتعاد، ظلّت محصورة في ذاكرتنا بعصر القصيدة الذهبي، وارتبط اسمها بشكل أساسي بمعركة الشعر الحر. هذه المعركة التي حُسمت اليوم بالتعادل بين طرفيها، بعدما أعلن المجلس العراقي للثقافة في نعيه للملائكة انها "تعدّ من أوائل من كتب الشعر الحر إلى جانب الشاعر الراحل بدر شاكر السياب". لنقل إن للقصيدة العربية الحرّة أبوين إذاً، وها هي الأم تبتعد بصمت، بعدما سبق لها الاعتراف بوجود قصائد أخرى منشورة في مجلات أدبية منذ العام 1932، أي قبل نشرها قصيدتها "الكوليرا". لكن أهمية نازك الملائكة لم تكمن في الشعر فقط، بل في النقد أيضاً، ولا سيما في كتابها المثير للجدل "قضايا الشعر المعاصر". هذه السيدة المولودة في بيئة مرفّهة، كما أخذ عليها منافسوها، عرفت كيف تأخذ مكانها كرائدة من روّاد القصيدة العربية.
ولدت نازك الملائكة في بغداد في العام 1923 في منزل غير بعيد عن أجواء الأدب، فوالدها صادق الملائكة كان أديباً وباحثاً، وأمها سلمى عبد الرزاق كانت شاعرة. هكذا، كبرت الشاعرة في بيئة مثقفّة، فأكملت دراستها الثانوية ثم انتقلت إلى دار المعلمين العالية التي تخرّجت منها في العام 1944 بدرجة امتياز قبل أن تتوجه في العام 1950 إلى الولايات المتحدة حيث أكملت دراستها في اللغتين الإنكليزية والعربية وآدابهما، ونالت شهادة الماجيستر في الأدب المقارن. بعد ذلك، عادت الملائكة إلى وطنها حيث عملت أستاذة مساعدة في كلية التربية في جامعة البصرة. وإضافةً إلى دراستها اللغتين العربية والإنكليزية، كانت الشاعرة تجيد لغات أخرى مثل الفرنسية واللاتينية.
في العام 1947 نشرت الملائكة ديوانها الأول بعنوان "عاشقة الليل"، وتميّز بطابعه الرومنطيقي الحزين والباكي. ثم نشرت ديوانها الثاني "شظايا ورماد" في العام 1949 الذي أثار الكثير من الضجيج بسبب تنافسها مع بدر شاكر السياب حول أسبقية كتابة القصيدة الحرة. ففي حين اعتبرت الملائكة انها أول من كتب هذه القصيدة في "الكوليرا"، قال السياب إن أول قصيدة عربية حرة هي قصيدته "هل كان حباً". موقف نازك الملائكة جاء في كتابها "قضايا الشعر المعاصر"، حيث قالت إن "بداية حركة الشعر الحر كانت سنة 1947، ومن العراق، بل من بغداد نفسها، ثم زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله. وكادت، بسبب تطرف الذين استجابوا لها، تجرف أساليب شعرنا العربي الأخرى جميعاً، وكانت أول قصيدة حرة الوزن تُنشر، قصيدتي المعنونة " الكوليرا " وهي من الوزن المتدارك ( الخبب)". لكن الشاعرة سرعان ما عادت عن قولها هذا وتدراكته في مقدّمة الطبعة الخامسة من الكتاب نفسه، معترفةً: "عام 1962 صدر كتابي هذا، وفيه حكمتُ أن الشعر الحر قد طلع من العراق ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي، ولم أكن يوم أقررت هذا الحكم أدري أن هناك شعراً حراً قد نظم في العالم العربي قبل سنة 1947 سنة نظمي لقصيدة "الكوليرا" ثم فوجئت بعد ذلك بأن هناك قصائد حرة معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية والكتب منذ سنة 1932، وهو أمر عرفته من كتابات الباحثين والمعلقين لأنني لم أقرأ بعد تلك القصائد في مصادرها".
في العام 1965 مثّلت نازك الملائكة العراق في مؤتمر الأدباء العرب، وفي العام 1996 نالت جائزة البابطين تثميناً لدورها التاريخي في "شقّ مسارات جديدة أمام الأجيال الشعرية في مجال القصيدة الحديثة". كُتبت عنها دراسات ورسائل جامعية عدة في الكثير من الجامعات العربية والغربية.
تركت نازك الملائكة أعمالا كثيرة تنوّعت بين الشعر والنقد. لها في الشعر: "عاشقة الليل" (1947)، "شظايا ورماد" (1949)، "قرارة الموجة" (1957)، "شجرة القمر" (1965)، "مأساة الحياة وأغنية للإنسان" (1977)، "للصلاة والثورة" (1978)، "يغيّر ألوانه البحر" (1970)، إضافةً إلى "الأعمال الكاملة"، ولها في النقد: "قضايا الشعر المعاصر"، "التجزيئية في المجتمع العربي"، "الصومعة والشرفة الحمراء"، و"سيكولوجيا الشعر".
وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أصدر بياناً عبّر فيه عن "بالغ الأسى والحزن" لوفاة الشاعرة الرائدة "ابنة العراق الغالية التي تعدّ من أبرز مجددي الشعر العربي". وفاة الملائكة التي دُفنت بعيداً عن وطنها، في مقبرة العائلة غرب القاهرة، جاءت في وقت تشهد الحياة الثقافية العراقية نقاشات حامية حول أهمية رعاية الدولة للفنانين والمثقفين، هؤلاء الذين عاشوا شقاء المنافي والقتل والتهجير مراراً وتكراراً.

ملف النهار -22 يونيو 2007

**********************************

ملف الاخبار

نازك (عند) الملائكة
القاهرة ودّعت «عاشقة الليل» إلى مثواها الأخير

مازن كرباج
بيار أبي صعب

الشاعرة التي انطفأت عن 84 عاماً، سبقها اسمها إلى كتب التاريخ. إنجازاتها هي والسياب والبياتي والحيدري، فتحت الطريق أمام مغامرة الشعر العربي الحديث التي أفضت إلى أقاليم لا تتخيّل وجودها! تحيّة أخيرة إلى رائدة «الشعر الحرّ»، وملهمة العصر الذهبي للمدرسة العراقيّة
النخبة العراقيّة طرحت الصوت، قبل أسبوعين: لا تنسوا نازك الملائكة! تباً لقد نسيناها حقاً، كانت غائبة إلى حدّ، منزوية وصامتة، غارقة في مرض بلا قرار، حتى خالها كثيرون تقيم في الكتب والذاكرة الشعرية. نشر الاعلام بياناً يدعو الحكومة العراقية إلى تحمّل مسؤوليتها، و«تبنّي علاج ابنة العراق البارة، ورعايتها الرعاية التي تستحقها كواحدة من أعظم أدباء العراق الحديث»...
لم تعد تنفع النداءات. «عاشقة الليل» ستمضي بأمان إلى موت طالما هجست به في شعرها. لقد تعبت من المرض، من ذلك الوجع الغامض الذي يسكنها، كما سكن قبلها مي زيادة وفيرجينيا وولف. آن لها أن تلتحق بشعرها، بتاريخها، بحقبتها المجيدة التي سبقتها إلى تاريخ الأدب الحديث. انطفأت رسولة «الشعر الحرّ» في القاهرة أول من أمس، حيث تعيش منذ زمن. فخسر الشعر الحديث آخر الشهود على تلك الحقبة الذهبية، في بغداد المنعطفات الحاسمة.
ماتت نازك الملائكة (1923 2007). آخر ضلوع المربّع الذهبي الذي شق طريق الحداثة الشعرية، أغمضت عينيها، مثل أقرانها، بعيداً عن بغداد: بدر شاكر السياب مات في الكويت (1964)، بلند الحيدري في لندن (1996)، وعبد الوهاب البياتي في دمشق (1999)... مثل الجواهري ويوسف الصائغ. غريب أمرهم هؤلاء العراقيين، في علاقتهم بالشعر والوطن والذاكرة والمنافي.
حول ذلك المربّع العتيد انتظمت القصيدة الحديثة التي منها تناسلت تجارب ومدارس واتجاهات. غير مجدية خناقات الريادة: «كوليرا» نازك أم «هل كان حبّاً» للسياب؟ كلتا القصيدتين كتبت عام 1947، صحيح. لكن باكورة الحيدري «خفقة الطين» صدرت عام 1946... والتجارب التي سبقت هؤلاء عديدة خارج العراق، من علي أحمد باكثير إلى لويس عوض صاحب «بلوتولاند» في قاهرة الثلاثينات. الملائكة نفسها اعترفت بذلك لاحقاً. ثم من قال إن الأسبقية الزمنية هي المعيار؟ مع الملائكة وصحبها صار للقصيدة الجديدة وجودها وشرعيتها. صارت قضيّة، رافقها خطاب نظري متماسك. وكان الجمهور جاهزاً لاستقبالها خلال بحثه عن أفق حريّته، وتحولات زمنه.
الحكاية تبدأ ذات ليلة من 1923، في بيت بغداد عريق، والقمر في المحاق. في مفكرته كتب صادق الملائكة، أستاذ النحو (والكاتب لاحقاً) وذواقة الشعر: «30 من ذي الحجة 1341، قبيل منتصف الليل بخمس دقائق، ولدت ابنتي نازك». كان الأب في الثامنة والعشرين، أي ضعف عمر زوجته التي ستنشر لاحقاً نصوصها في الصحافة تحت اسم أم نزار الملائكة. كُتب كثيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نازك الملائكة،قضية الشعر العربي المعاصر -الجزء السابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نازك الملائكة،قضية الشعر العربي المعاصر -الجزء الاول
» نازك الملائكة،قضية الشعر العربي المعاصر -الجزء الثاني
» نازك الملائكة،قضية الشعر العربي المعاصر -الجزء الثالث
» نازك الملائكة،قضية الشعر العربي المعاصر -الجزء الرابع
» نازك الملائكة،قضية الشعر العربي المعاصر -الجزء الخامس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نسمات المحبين :: منتديات الادب والثقافة :: قسم الشعر والخواطر-
انتقل الى: