حسن الخلق سعادة فى الدنيا والآخرة
الأخلاق الحسنة إما فطرية، وإما تكليفية. فالفطرية منها تحصل لصفاء جوهر النفس، لأن جوهر النفس إذا كان نورانياً يقبل الخير، ويرد الشر، ويكون مجملاً بالرحمة والرأفة، والعاطفة والبر والإحسان، فينشأ الإنسان محباً للخير وأهله، ومعادياً للشر وأهله، شكوراً فى الرخاء، صبوراً فى البلاء، يعفو ويصفح، ويؤثر أخاه على نفسه، ويجازي السيئة بالحسنة، فيحبه الله والناس أجمعون، ويعيش ...الناس منه فى سلامة، وهو منهم فى أمان، لا حسود للنعمة، أو شيطان النزعة، وهذا المفطور على جميل الأخلاق، إن أعانه الله بمرشد كامل، ورث أحوال الأنبياء، ومنحه الله التخلق بأخلاقه العلية، وإن عاش فى مجتمع فاسد الأخلاق حفظه الله من شرورهم، وإن أفسدوا عليه حياته لمخالفتهم إياه فى المعاملة، وهذا أشبه بسراج بين العميان.
أما المتخلق فإما أن يكون تخلق خوفاً، أو طمعاً، فالذي يخاف من السوط، ويطمع فى الدنيا فهذا قد يترك دينه، خوفاً أو طمعاً، فيرتكب من الدنايا والسفاسف ما يتبرأ منه الحيوان الأعجم، فإن الحيوان لا يبالي أن يرفع صوته الدال على نوعه أمام أشرف الحيوانات، ولكن هذا المتكلف قد يترك دينه الحق إذا خاف أو طمع، وقد يرتكب أكبر المنكرات إذا أمن جناب الخلق، وقد يضر أمة بأسرها إذا نال خيراً، ولو من أعدي عدو لأمته، وهذا يراه الناس إنسانا مسلماً، وهو فى الحقيقة شيطان منافق، وعلاج هذا المرض سهل، إذا يسره الله تعالى قال سبحانه وتعالي: (آل عمران:73). وأما الذي يخاف من الله فهو من الذين آمنوا بالآخرة، فطمعوا فى الجنة، وخافوا من النار، فيسارعون إلى الطاعات للنعيم المقيم، ويتباعدون من المعاصي خوفاً من الجحيم، وقد كلف الله العلماء أن يبينوا للناس طرق الخير، وموارد السعادة، لأنه سبحانه وتعالى أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، ليحصل الطمع والخوف، وأهل النفوس الزكية يعلمون الأخلاق الحسنة لأنفسهم من الناس، فإذا أحبوا شيئاً من أعمال ومعاملات وأخلاق الناس عملوا بها، وإذا كرهوا شيئا من ذلك تركوه. والمجتمع الإنساني مدرسة الصديقين، وكل إنسان يحب الفضائل والكمال الإنساني، والعمل بها، وخير ما يتقرب به العبد خلق حسن، يعامل به غيره، وفي الحديث الشريف: (ألا أخبركم بأحبكم إلى وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون، ألا أخبركم بأبغضكم إلى وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة قال: الثرثارون المتفيهقون الذين لا يألفون ولا يؤلفون) ( رواه البخاري فى كتاب فضائل الصحابة الباب 27 وكتاب المناقب الباب 23، والترمذي فى كتاب البر الباب 71، وأحمد فى الجزء الرابع صفحة 193،194).
[b]